ما دعاني للكتابة عن اليمن في هذه الفترة، ما تشهده اليمن من مآسٍ، من قتل وتشريد، من مرض وجوع، وهي لا تستحق ذلك فالتاريخ يقول ان اليمن مهد للحضارات قبل ان تعرف الأمم الحضارات، ومهد للديمقراطية قبل ان يعرف الشعوب الديمقراطية (ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) وفيها هندسة السدود، ومنها خرج فاتحون وجيوش وعلماء في كل أنحاء الأرض، وإسلام جنوب شرق اسيا كان بسبب التجار اليمنيين، فيها ناطحات السحاب، وفيها ديانات التوحيد عندما كانت، اضافة إلى كل ذلك ما تعبناه نحن هنا في الاردن من اجل وحدتها، وما بنينا من علاقات فاقت كل العلاقات التي يمكن ان تكون بين دولتين وشعبين، فلنرجع إلى يوم توقيع وثيقة العهد والاتفاق، كان الزمان رمضاناً وكانت التشريفات الملكية تستعد لاستقبال الوفود على مائدة الإفطار، هناك احياء لا زالوا من الاردن شاهدين على هذا الجهد، ونادى احمد العفيف على الاسماء للتوقيع ووقع الجميع، وحدها كانت زوجة البيض في الطائرة ترفض النزول، وبما لانها تعلم ماذا سيحدث بعد، ولكن إنسانية المرحوم الملك الحسين أبت إلا السؤال عنها وإرسال الإفطار لها على متن الطائرة.
من الإفطار إلى السحور، كنت مع المرحوم الملك الحسين والمرحوم أبي شاكر، والدكتور عبد السلام المجالي والرئيس اليمني السابق، والشيخ سنان ابو لحوم على نفس الطاولة، قال الرئيس اليمني للمرحوم الملك الحسين لقد عمل الأخ فايز لليمن اكثر مما عمله ابناء اليمن، واثنى على ذلك المرحوم ابو شاكر، وانتهزت الفرصة لأشكر ثم اعقب، يا جلالة الملك ان المضمون الذي تحدث عنه الرئيس يحتاج إلى شكل يليق به، فتساءل عن ماذا، قلت السفارة لا تليق باسم الاردن، فهي مهلهلة، وبجانبها منشار حجر وزريبة أغنام، و قد كنت أرسلت هذه الصور للخارجية فرفضت بحجة عدم وجود مخصصات، فأجاب
د. عبد السلام يقصد الدكتور عبد السلام المجالي متعه الله بالصحة والعافية، تستأجر سفارة واذا لم يتوافر مخصصات انا سأقوم بذلك، واستطراداً لذلك وان كان سيأتي الحديث عنه لاحقاً لكن لتكملة الجواب، ما أن وصلت السفارة حتى كتبت إشارة للحديث الشفوي مع جلالة الملك وموافقته الكريمة أرجو الموافقة على استئجار سفارة جديدة، وجاء الجواب بالموافقة، وهي السفارة الحالية التي لا زالت موجودة لونها من الحجر الأخضر، ثم أرسل جلالته مبلغ عشرين الف دولار في مغلف للتأثيث وكنت قد حصلت على موافقة الرئيس اليمني أيضاً على قطعة ارض بجانب فندق الشيراتون مساحتها ستة دونمات وسجلتها باسم السفارة، ووثيقتها في إطارها الزجاجي على مكتب السفير.
أرجع إلى فترة السحور على مائدة جلالته، قال الشيخ سنان ابو لحوم يا جلالة الملك نحن لدينا مشكلة مع شخصين الرئيس والبيض، وانت عندك البحر الميت خذهم واغسلهم فيه لأن ملحه كثير لعلهم يتفقون.
